الأحد، 2 نوفمبر 2014

ضيزى : وحشية غير مأنوسة . هل ناسبت موقعها ؟

سعيد بن حيدرة :
{تلك إذا قسمة ضيزى} أي : ظالمة جائرة ، [ وأي ظلم أعظم من قسمة ] تقتضي تفضيل العبد المخلوق على الخالق؟
وتِلْكَ إشارة إلى القسمة المفهومة من الجملة الاستفهامية إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى أي جائرة ، غير مستوية ، ناقصة غير تامة ، لأنكم جعلتم لربكم من لولد والندّ ما تكرهون لأنفسكم ، وآثرتم أنفسكم بما ترضونه.
( ضِيزى ) مشتقة من الفعل ضازه يضيزه إذا ضامه وجار عليه ، وعلى هذا فتحتمل وجهين : أحدهما أن تكون صفة على فعلى بضمّ الفاء وإنما كسرت الفاء لتصحّ الياء ، والوجه الثاني أن تكون مصدرا كذكرى قال الكسائي : يقال ضاز يضيز ضيزى كذكر يذكر ذكرى وقرئ ضئزى بهمزة ساكنة ومعنى ضأزه  يضأزه : نقصه ظلما وجورا وهو قريب من الأول .
قال محيي الدين درويش في كتابه إعراب القرآن وبيانه : وفي قوله « تلك إذن قسمة ضيزى » فن عجيب أيضا فقد يتساءل الجاهلون عن السر في استعمال كلمة ضيزى وهي وحشية غير مأنوسة ، وسنورد ما أورده ابن الأثير في مثله السائر ثم نردفه
 بما استخرجناه نحن قال ابن الأثير : « وحضر عندي في بعض الأيام رجل متفلسف فجرى ذكر القرآن الكريم فأخذت في وصفه وذكر ما اشتملت عليه ألفاظه ومعانيه من الفصاحة والبلاغة فقال ذلك الرجل وأيّ فصاحة هناك وهو يقول : تلك إذن قسمة ضيزى ؟ فهل في لفظة ضيزى من الحسن ما يوصف فقلت له : اعلم أن لاستعمال الألفاظ أسرارا لم تقف عليها أنت ولا أئمتك مثل ابن سينا والفارابي ولا من أضلّهم مثل أرسطاطاليس وأفلاطون وهذه اللفظة التي أنكرتها في القرآن وهي لفظة ضيزى فإنها في موضعها لا يسدّ غيرها مسدّها ، ألا ترى أن السورة كلها التي هي سورة النجم مسجوعة على حرف الياء فقال تعالى : والنجم إذا هوى ، ما ضلّ صاحبكم وما غوى وكذلك إلى آخر السورة فلما ذكر الأصنام وقسمة الأولاد وما كان يزعمه الكفّار قال : ألكم الذّكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى ، فجاءت هذه اللفظة على الحرف المسجوع الذي جاءت السورة جميعها عليه وغيرها لا يسدّ مسدّها في مكانها وإذا نزلنا معك أيّها المعاند على ما تريد قلنا : إن غير هذه اللفظة أحسن منها ولكنها في هذا الموضع لا ترد ملائمة لأخواتها ولا مناسبة لأنها تكون خارجة عن حرف السورة ، وسأبيّن ذلك فأقول : إذا جئنا بلفظة في معنى هذه اللفظة قلنا قسمة جائرة أو ظالمة ولا شك أن جائرة أو ظالمة أحسن من ضيزى إلا أنّا إذا نظمنا الكلام فقلنا : ألكم الذّكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ظالمة لم يكن النظم كالنظم الأول وصار الكلام كالشيء المعوز الذي يحتاج إلى تمام وهذا لا يخفى على من له ذوق ومعرفة بنظم الكلام فلما سمع ذلك الرجل ما أوردته عليه ربا لسانه في فمه إفحاماً ، ولم يكن عنده في ذلك شيء سوى العناد » .

هذا ما قاله ابن الأثير وهو جيد يدل على ذوق وفهم ولكنه لا يخرج عن الحدود اللفظية ، وسنذكر ما سنح للخاطر من أمر معنوي يتعلق بهذا الكلام فنقول لما كان الغرض تهجين قولهم ، وتفنيد قسمتهم ، والتشنيع عليها اختيرت لها لفظة مناسبة للتهجين والتشنيع كأنما أشارت خساسة اللفظة إلى خساسة أفهامهم وهذا من أعجب ما ورد في القرآن الكريم من مطابقة الألفاظ لمقتضى الحال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  وقفة بلاغية : وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) اخت...