الأحد، 30 نوفمبر 2014

قيم تربوية في نصوص أدبية ... انتهاز الفرص ( نص لعلي بن أبي طالب )

سعيد بن حيدرة :

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : انتهزوا الفرص ؛ فإنها تمر مر السحاب ، ولا تطلبوا أثراً بعد عين .
معاني الكلمات :
انتهز
افتعل من الفعل : نهز بمعنى : نهض ليتناول شيئاً ما . و: انتهز الشيء : قبله ، وأسرع إلى تناوله ، ويقال : انتهز الفرصة : اغتنمها ، وبادر إليها .
أثراً
أثر الشيء : بقيته .
العين
الحاضر من كل شيء . وفي المثل : لا تطلبوا أثراً بعد عين يضرب لمن ترك شيئاً يراه ، ثم تبع أثره بعد فوته .

شرح النص :
مقولة مختصرة في كلمات يسيرة ، فيها من التربية ، والحكمة ، والقيم التربوية التي ينبغي أن تغرس في نفوس أبنائنا لتصبح سلوكاً ، ومكوناً من مكونات شخصيتهم ؛ لتجعل المرء المتبع لما فيها ، المطبق لما أوصت على بصيرة من أمره ، فيسارع إلى اغتنام الفرص حين تلوح بوادرها ، ولا يتوانى حتى تفوت ، فالفرص إذا فاتت لا تعود .
وفيها تسلية في شطرها الآخر ، وتربية للصبر ، وترك الجزع ، وعض الأنامل من الندم على فوت الفرص ، فلا تتبع النفس آثار الفرص ، ولا تتحسر عليها ؛ فإن تحسرك إنما هو إرهاق للنفس ، وبكاء على ماض لن تجني من تتبعه إلا الحسرة والندامة .
وقد صيغت هذه القيمة التربوية في صورة أدبية رائعة ، ومنحت من الروعة البيانية ، والجرس الموسيقي ، والسلاسة التي تنساب فيها المعاني ، بدون تكلف ، فمر السحاب : تشبيه بليغ شبه الفرص في حركتها الدائمة كحركة السحاب لا تتوقف ، ولا تنتظر أحداً فإن لم تبادر لاغتنامها فاتك .
والتشبيه هنا أعطى الكلام حيوية ، فهذه الفرص المعنوية تتراءى لك محسوسة ، مقترنة بحركتها التي لا تتوقف إلا لمن أسرع في التقاطها .
وأما قوله : " ولا تطلبوا أثراً بعد عين " ، فهو مثل يضرب لمن تتبع آثاراً بعد فوات أعيانها ، فالنهي عن التتبع ، وفيه توطين للنفس ، وإقناع لها حتى لا تذهب بها المذاهب ، والأماني في أودية سحيقة لا يعلم مداها إلا الله . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  وقفة بلاغية : وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) اخت...