سعيد بن حيدرة :
يقول علي بن أبي
طالب رضي الله عنه : انتهزوا الفرص ؛ فإنها تمر مر السحاب ، ولا تطلبوا أثراً بعد
عين .
معاني الكلمات :
انتهز
|
افتعل من الفعل :
نهز بمعنى : نهض ليتناول شيئاً ما . و: انتهز الشيء : قبله ، وأسرع إلى تناوله ،
ويقال : انتهز الفرصة : اغتنمها ، وبادر إليها .
|
أثراً
|
أثر الشيء :
بقيته .
|
العين
|
الحاضر من كل شيء
. وفي المثل : لا تطلبوا أثراً بعد عين يضرب لمن ترك شيئاً يراه ، ثم تبع أثره
بعد فوته .
|
شرح النص :
مقولة مختصرة في
كلمات يسيرة ، فيها من التربية ، والحكمة ، والقيم التربوية التي ينبغي أن تغرس في
نفوس أبنائنا لتصبح سلوكاً ، ومكوناً من مكونات شخصيتهم ؛ لتجعل المرء المتبع لما
فيها ، المطبق لما أوصت على بصيرة من أمره ، فيسارع إلى اغتنام الفرص حين تلوح
بوادرها ، ولا يتوانى حتى تفوت ، فالفرص إذا فاتت لا تعود .
وفيها تسلية في
شطرها الآخر ، وتربية للصبر ، وترك الجزع ، وعض الأنامل من الندم على فوت الفرص ،
فلا تتبع النفس آثار الفرص ، ولا تتحسر عليها ؛ فإن تحسرك إنما هو إرهاق للنفس ،
وبكاء على ماض لن تجني من تتبعه إلا الحسرة والندامة .
وقد صيغت هذه
القيمة التربوية في صورة أدبية رائعة ، ومنحت من الروعة البيانية ، والجرس الموسيقي
، والسلاسة التي تنساب فيها المعاني ، بدون تكلف ، فمر السحاب : تشبيه بليغ شبه الفرص
في حركتها الدائمة كحركة السحاب لا تتوقف ، ولا تنتظر أحداً فإن لم تبادر لاغتنامها
فاتك .
والتشبيه هنا أعطى
الكلام حيوية ، فهذه الفرص المعنوية تتراءى لك محسوسة ، مقترنة بحركتها التي لا
تتوقف إلا لمن أسرع في التقاطها .
وأما قوله : "
ولا تطلبوا أثراً بعد عين " ، فهو مثل يضرب لمن تتبع آثاراً بعد فوات أعيانها
، فالنهي عن التتبع ، وفيه توطين للنفس ، وإقناع لها حتى لا تذهب بها المذاهب ،
والأماني في أودية سحيقة لا يعلم مداها إلا الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق