سعيد بن حيدرة :
البسملة أدب رفيع
أدب الله به نبيه في أول ما نزل من القرآن باتفاق ، وهو قوله تعالى : « اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ ... » ، بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله ، وجعلها سنة
لأمته من بعده يستنون بها ، وسبيلا يتبعونه عليها ، وهذا يتفق كما يقول سيد قطب -
رحمه الله - مع قاعدة التصور الإسلامي الكبرى من أن الله «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ
وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ » .. فهو- سبحانه- الموجود الحق الذي يستمد منه كلُّ موجود
وجودَه ، ويبدأ منه كل مبدوء بدأه. فباسمه إذن يكون كل ابتداء. وباسمه إذن تكون كل
حركة وكل اتجاه .
ويتفق جميع العلماء
على هذا ما هذه الآية من الأدب ، ويربون عليه أبناءهم مع اختلافهم أنّ التسمية ليست
بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وإنما كتبت للفصل والتبرك بالابتداء بها ،
كما بدأ بذكرها في كل أمر ذى بال ، وهو مذهب أبى حنيفة ، وأحمد رحمه اللَّه ومن تابعه
، ولذلك لا يجهر بها عندهم في الصلاة.
وقرّاء مكة والكوفة
وفقهاؤهما على أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة ، وعليه الشافعي وأصحابه رحمهم اللَّه،
ولذلك يجهرون بها.
فإذا كانت هذه
الأحرف اليسيرة تحمل هذه المعاني العظيمة ، وتحدد تصورنا للكون والحياة ، فنعيد كل
أول إلى الله عزو جل ، فينبغي أن يحملنا هذا الأدب على نتفق في ما بيننا فنحترم من
يجهر ، ومن يسر ، فلا يبدع أحدنا الآخر في أمر فيه من السعة ما فيه .
ومن كثرة فوائد البسملة
، وآدابها كثيرة تدخلت اللغة فاشتقت اسماً لمن قال : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
: فيقال له مبسمل وهو ضرب من النحت اللغوي ، فيه تجدد ، واتساع اللغة ، وقد ورد ذلك
في شعر لعمر بن أبي ربيعة :
لقد
بسملت ليلى غداة لقيتها ... فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق