الجمعة، 7 نوفمبر 2014

أدب البسملة

سعيد بن حيدرة :
البسملة أدب رفيع أدب الله به نبيه في أول ما نزل من القرآن باتفاق ، وهو قوله تعالى : « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ... » ، بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله ، وجعلها سنة لأمته من بعده يستنون بها ، وسبيلا يتبعونه عليها ، وهذا يتفق كما يقول سيد قطب - رحمه الله - مع قاعدة التصور الإسلامي الكبرى من أن الله «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ » .. فهو- سبحانه- الموجود الحق الذي يستمد منه كلُّ موجود وجودَه ، ويبدأ منه كل مبدوء بدأه. فباسمه إذن يكون كل ابتداء. وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه .
ويتفق جميع العلماء على هذا ما هذه الآية من الأدب ، ويربون عليه أبناءهم مع اختلافهم أنّ التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وإنما كتبت للفصل والتبرك بالابتداء بها ، كما بدأ بذكرها في كل أمر ذى بال ، وهو مذهب أبى حنيفة ، وأحمد رحمه اللَّه ومن تابعه ، ولذلك لا يجهر بها عندهم في الصلاة.
وقرّاء مكة والكوفة وفقهاؤهما على أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة ، وعليه الشافعي وأصحابه رحمهم اللَّه، ولذلك يجهرون بها.
فإذا كانت هذه الأحرف اليسيرة تحمل هذه المعاني العظيمة ، وتحدد تصورنا للكون والحياة ، فنعيد كل أول إلى الله عزو جل ، فينبغي أن يحملنا هذا الأدب على نتفق في ما بيننا فنحترم من يجهر ، ومن يسر ، فلا يبدع أحدنا الآخر في أمر فيه من السعة ما فيه .
ومن كثرة فوائد البسملة ، وآدابها كثيرة تدخلت اللغة فاشتقت اسماً لمن قال : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : فيقال له مبسمل وهو ضرب من النحت اللغوي ، فيه تجدد ، واتساع اللغة ، وقد ورد ذلك في شعر لعمر بن أبي ربيعة :

لقد بسملت ليلى غداة لقيتها ... فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  وقفة بلاغية : وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) اخت...