سعيد بن حيدرة :
دراسة النصوص
الأدبية ، والتعمق فيها يكشف محاسن العربية ، ويظهر ما في أساليبها من جمال وجلال
، وينتج عن ذلك نمو ملكة النقد الصحيح ، ونعمة الذوق السليم .
وسأبدأ بشرح بعض
الأبيات الشعرية لتوضيح ما فيها من جمال ، وروعة .
يقول : ابن نباتة في
وصف فرس أغر أبلق :
وكأنما لطم الصباح جبينه
... فاقتص منه فخاض في أحشائه
تذكر كتب البلاغة
هذا البيت في حسن التعليل ، ومعناه عندهم : أن يأتي ناثر أو شاعر للشيء الذي يتكلم
عنه بوصف من الأوصاف بعلة ليست له على جهة التخييل والتظرف .
فابن نباته في
بيته يغرق في الخيال ، ويبعد فيه حين يصف فرساً أهداه إليه ممدوحه ، وكان أغر أبلق
أي سواد مع وجود بياض في وجهه ورجليه يقول :
وكأنما لطم الصباح جبينه
... فاقتص منه فخاض في أحشائه
فالشاعر لكي يعلل
للبياض عقد معركة بين الصباح وفرسه ، وجعل الصبح معتديًا ، حيث لطم الفرس على جبينه
، فابيضَّ منه الجبين ، وأخذ الفرس يثأر لنفسه ؛ فخاض بقوائمه في أحشاء الصباح ، فابيضت
منه القوائم ، فنرى الشاعر قد جرى وراء الخيال إلى مسافات بعيدة ، ولكنه أبدع وأجاد
.
وهو معنى عجيب حقاً
وتعليل غريب ، فالفرس لا يسكت على ضيم ، فخاض بأقدامه في أحشاء الفرس ، ومن روعة التصوير
أن جعل للفرس أحشاء ، وهي استعارة مكنية ، فيها حسن تخييل ، وروعة تصوير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق