الخميس، 4 ديسمبر 2014

روعة التصوير ، وحسن التعليل في بيت ابن نباته

سعيد بن حيدرة :

دراسة النصوص الأدبية ، والتعمق فيها يكشف محاسن العربية ، ويظهر ما في أساليبها من جمال وجلال ، وينتج عن ذلك نمو ملكة النقد الصحيح ، ونعمة الذوق السليم .
وسأبدأ بشرح بعض الأبيات الشعرية لتوضيح ما فيها من جمال ، وروعة .
يقول : ابن نباتة في وصف فرس أغر أبلق :
وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه
تذكر كتب البلاغة هذا البيت في حسن التعليل ، ومعناه عندهم : أن يأتي ناثر أو شاعر للشيء الذي يتكلم عنه بوصف من الأوصاف بعلة ليست له على جهة التخييل والتظرف .
فابن نباته في بيته يغرق في الخيال ، ويبعد فيه حين يصف فرساً أهداه إليه ممدوحه ، وكان أغر أبلق أي سواد مع وجود بياض في وجهه ورجليه يقول :
وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه
فالشاعر لكي يعلل للبياض عقد معركة بين الصباح وفرسه ، وجعل الصبح معتديًا ، حيث لطم الفرس على جبينه ، فابيضَّ منه الجبين ، وأخذ الفرس يثأر لنفسه ؛ فخاض بقوائمه في أحشاء الصباح ، فابيضت منه القوائم ، فنرى الشاعر قد جرى وراء الخيال إلى مسافات بعيدة ، ولكنه أبدع وأجاد .

وهو معنى عجيب حقاً وتعليل غريب ، فالفرس لا يسكت على ضيم ، فخاض بأقدامه في أحشاء الفرس ، ومن روعة التصوير أن جعل للفرس أحشاء ، وهي استعارة مكنية ، فيها حسن تخييل ، وروعة تصوير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  وقفة بلاغية : وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) اخت...