الجمعة، 19 ديسمبر 2014

من روائع التعبير القرآني : « خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ »

سعيد بن حيدرة :
قال الله تعالى : « خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ »
الخَتَمَ
مصدر ختمت الشيء ، ومعناه : التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء ، ومنه ختم الكتاب والباب وما يشبه ذلك حتى لا يوصل إلى ما فيه ولا يوضع فيه غيره.

الصورة في هذه الآية هي صورة الكافرين . وهي تمثل مقومات الكفر في كل أرض وفي كل حين : ولن تستطيع أن تدرك روعة التعبير ، والتصوير إلا بموازنتها بالصورة المقابلة لها ، وهي صورة المتقين التي سبقت في الآيات السابقة فالنوافذ المفتوحة في أرواح المتقين ، والوشائج التي تربطهم بالوجود وبخالق الوجود ، وبالظاهر والباطن والغيب والحاضر هي عكسها في هذ التعبير ..
فالصورة توضح ملامح الشخصية التي تحصنت بالإباء ، فلم تخضع للنداء الإلهي فالنوافذ المفتحة كلها هناك ، مغلقة كلها هنا . وإن الوشائج الموصولة كلها هناك ، مقطوعة كلها هنا : «خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ» ختم عليها فلا تصل إليها حقيقة من الهدى ولا صدى.
قال الشوكاني رحمه الله : المراد بالختم والغشاوة هنا هما المعنويان لا الحسيان أي لما كانت قلوبهم غير واعية لما وصل إليها ، والأسماع غير مؤدية لما يطرقها من الآيات البينات إلى العقل على وجه مفهوم ، والأبصار غير مهدية للنظر في مخلوقاته وعجائب مصنوعاته جعلت بمنزلة الأشياء المختوم عليها ختما حسيا ، والمستوثق منها استيثاقا حقيقيا ، والمغطاة بغطاء مدرك . ا.هـ .
وفي إسناد الختم إلى القلوب استعارة تمثيلية فقد شبّهت قلوبهم في نبوّها عن الحقّ وعدم الإصغاء إليه بحال قلوب ختم الله عليها وهي قلوب البهائم وهو تشبيه معقول بمحسوس . أو هو مجاز عقليّ وهو باب واسع عند العرب يقولون : سال بهم الوادي إذا هلكوا وطارت بفلان العنقاء إذا طالت غيبته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  وقفة بلاغية : وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) اخت...