السؤال:
هل يوجد في كتب أهل
السنة والجماعة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب الخمر حتى بعد إسلامه
وهذا موجود في كتبنا ؟ لأن بعض الشيعة الذين أناقشهم ذكروا ذلك ، ولم أعرف كيف أرد
عليهم .
الجواب :
الحمد لله
هذه التهمة هي من الكذب
والافتراء ، ومن المعلوم لكل مسلم أنه لا يجوز أن يتهم المسلمُ أحداً بذنبٍ من الذنوب
إلا بدليلٍ واضح لا لَبْسَ فيه .
وإذا كان اتهام الناس
من غير دليل ذنبا عظيما ، فكيف باتهام شخص مثل عمر رضي الله عنه؟!
فالفاروق عمر رضي الله
عنه أعلن الحرب على الخمر منذ إسلامه ، فأهمّه خطرها قبل أن تحرّم .
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
، قَالَ : " لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ عُمَرُ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ
لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ) ، قَالَ
: فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ
بَيَانًا شِفَاءً ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُنَادِي: أَلَا
لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ
: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) قَالَ عُمَرُ : انْتَهَيْنَا " رواه أبو داود
(3670) .
ثمّ إنه بعد أن تولّى
الخلافة رضي الله عنه اهتم بشأن تحذير الناس من الخمر وبيان حكمها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ،
قَالَ : " سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : أَمَّا بَعْدُ ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ
تَحْرِيمُ الخَمْرِ ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ : العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالعَسَلِ
وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ ) رواه البخاري
(4619) ، ومسلم (3032).
كما اهتم بتحديد العقوبة
على شرب الخمر ، لمّا لم يجد نصا صريحا عليها ، واستشار كبار الصحابة في ذلك .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ
الْخَمْرَ ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ ، قَالَ : وَفَعَلَهُ أَبُو
بَكْرٍ ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
أَخَفَّ الْحُدُودِ ؛ ثَمَانِينَ . فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ " رواه مسلم (1706)
.
فهل يعقل في طباع البشر
أنّ شخصا يهتم بتطهير المجتمع المسلم من الخمر إلى هذه الدرجة ، ويستمر على هذا المنهاج
إلى أن يتوفى ، ثمّ يتساهل في شرب الخمر ؟!
وهذه الفرية من الرافضة
ليست غريبة عليهم ، وقد وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنهم " أكذب طوائف
الأمة على الإطلاق " انتهى من " مجموع الفتاوى " (27/125) .
ولا يوجد في كتب السنة
والآثار أن عمر رضي الله عنه شرب الخمر ، بل غاية ما ورد فيها أنه رضي الله عنه شرب
النبيذ ، وذلك ثابت في قصة موته رضي الله عنه ، حيث سقاه الطبيب نبيذا .
والنبيذ يطلق على الخمر
، ويطلق أيضا على الماء الذي يوضع فيه شيء من التمر أو الزبيب حتى يحلو الماء ثم يشرب
قبل أن يتخمر ، فهذا الثاني هو الذي شربه عمر رضي الله عنه ، وقد كان الرسول صلى الله
عليه وسلم يشربه ، وأجمع العلماء على جوازه .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رضي الله عنهما : " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ ، فَاسْتَسْقَى ، فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ
: فَشَرِبَ ، وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ ، وَقَالَ : ( أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ
، كَذَا فَاصْنَعُوا ) " رواه مسلم (1316) .
قال النووي رحمه الله
تعالى :
" وهذا النبيذ
: ماء مُحلى بزبيب أو غيره ، بحيث يطيب طعمه ، ولا يكون مسكرا ، فأما إذا طال زمنه
وصار مسكرا : فهو حرام " انتهى من " شرح صحيح مسلم " ( 9 / 64) .
وقال رحمه الله تعالى
:
" وجواز شرب النبيذ
: ما دام حلوا لم يتغير ولم يغل ؛ وهذا جائز بإجماع الأمة " .
انتهى من" شرح
صحيح مسلم " (13 / 174) .
فالعجب ممن يعرض عن
عشرات الأحاديث التي فيها فضل عمر رضي الله عنه وقوة دينه وأنه أفضل الأمة بعد النبي
صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعلى هذا أجمع الصحابة رضي الله عنهم ، وشهد به علي
رضي الله عنه وأعلنه على منبر الكوفة ، ثم يريد القدح فيه بمثل هذا اللفظ المحتمل
(النبيذ) ويدع المحكم الواضح الجلي الذي يثبت فضله ، وهذه طريقة الذين في قلوبهم زيغ
، كما قال الله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ
مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) آل عمران/7 .
والله أعلم . انظر موقع الإسلام سؤال وجواب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق