العلماء الربانيون
منارات يهتدى بها ، بعلمهم ، وسلوكهم ، وسمتهم ، وقد ضرب لنا كثير من العلماء
أمثلة رائعة في تحريهم الحق حتى وإن خالف مذاهبهم ، وأئمتهم الذين تتلمذوا على
أيديهم ، وهذا مثال من تلك الأمثلة وقع لأمام من أئمة المسلمين المقتدى بهم وهو
الإمام : أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي ، المتوفى سنة 321هـ في
نبذ التعصب ، وتحري الحق الذي يرشد إليه الدليل .
وأبو جعفر الطحاوي من
علماء الحديث المعروفين ومن الفقهاء المشهورين أيضاً ، وكان شافعياً تَفَقَّهَ على
المُزَنِي رحمه الله تلميذ الشافعي ، ثم انتقل في الفروع من مذهب الشافعية إلى مذهب
الحنفية فصار في المذهب حنفي المذهب إلا أنَّهُ لا يتعصب لقول أبي حنيفة ولا يُقَلِّدُهُ
؛ بل صنيع العلماء المحققين أنْ يتابعه فيما ظهر فيه الدليل وأن يأخذ بالدليل إذا خالف
قول الإمام .
وجرت مناظرة في ذلك
، أو جرى حوارٌ في ذلك بين الطحاوي وبين أحد العلماء في مصر من الحنفية ، فقال الطحاوي
في مسألة بغير قول الإمام أبي حنيفة ، فذاك قال له : ألست من أتباع أبي حنيفة ؟
قال : بلى ، ولكني لا
أقَلِّدُهُ ؛ لأنَّهُ لا يُقَلِّدُ إلا عصبي - يعني متعصباً -.
فقال الآخر وغبي أيضاً
- يعني لا يقلد من أهل العلم إلا عصبيٌ أو غبي -.
فصارت الكلمة مثلاً
في مصر تداولها الناس في مقولة هذين العالمين ، وذلك يدل على تحرّي أبي جعفر الطحاوي
للحق وعلى ابتغائه له .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق