الجمعة، 5 نوفمبر 2021

دلالة هذا التشبيه : كأنهم خشب مسندة

 { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4 المنافقون ) }

يقول جلّ ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : وإذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمد تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورها ، فهم أصحاب هيئاتٍ ومناظرَ، حسنةٍ ونضرة وضخامة .

( وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) يقول جلّ ثناؤه : وإن يتكلموا تصغ لكلامهم ، لفصاحتهم وذلاقة لسانهم ، قال ابن عباس : كان ابن سلول - رأس المنافقين - جسيما ، فصيحا ، ذلق اللسان .

( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) يقول : تشبيه ذو دلالة عجيبة ، فهذا الجمود الراكد البارد يصورهم من ناحية فقه أرواحهم إن كانت لهم أرواح ! يشبهون الأخشاب المسندة إلى الحائط ، في كونهم صورا خالية عن العلم والنظر ، فهم أشباح بلا أرواح ، وأجسام بلا أحلام ، قال أبو حيان : شبهوا بالخشب لعزوب أفهامهم ، وفراغ قلوبهم من الإيمان ، والجملة التشبيهية وصف لهم بالجبن والخور

قال الزمخشري : قلت : شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان ، والخير بالخشب المسندة إلى الحائط ؛ ولأنّ الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به أسند إلى الحائط ، فشبهوا به في عدم الانتفاع .

وفي خلاصة موجزة : فهم أجسام تعجب . لا أناسي تتجاوب ! وما داموا صامتين فهم أجسام معجبة للعيون . فأما حين ينطقون فهم خواء من كل معنى ومن كل حس ومن كل خالجة .

ويجوز أن يراد بالخشب المسندة : الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان ؛ شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم ؛ والخطاب في ) رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ ( لرسول الله ، أو لكل من يخاطب .

قال حَسَّانَ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ :

لَا بَأْسَ بِالْقَوْمِ مِنْ طُولٍ وَمِنْ غِلَظٍ ... جِسْمُ الْبِغَالِ وَأَحْلَامُ الْعَصَافِيرِ

قرأ أبو عمرو والكسائي : خُشُبٌ بسكون الشين ، وقرأ الباقون بضمها ، مُسَنَّدَةٌ ممالة إلى جدار من قولهم أسندت الشيء إذا أملته ، والتثقيل للتكثير، وأراد أنها ليست بأشجار تثمر ولكنها خشب مسندة إلى حائط .

ولكن هل كل منافق بهذه الصورة ، قال ابن عاشور : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ أَوْ عَدَدٌ مَحْدُودٌ إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْمُنَافِقِينَ أَحَاسِنَ الصُّوَرِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ ابْنُ أُبَيٍّ جَسِيمًا صَحِيحًا صَبِيحًا ذَلْقَ اللِّسَانِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمُرَادُ ابْنُ أُبَيٍّ وَالْجِدُّ بْنُ قَيْسٍ وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَامٌ وَمَنْظَرٌ وَفَصَاحَةٌ. وَقَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : وَقَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي مِثْلِ صِفَةِ ابْنِ أُبَيٍّ رُؤَسَاءُ الْمَدِينَةِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  وقفة بلاغية : وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) اخت...