{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4 المنافقون ) }
يقول جلّ ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم : وإذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمد تعجبك أجسامهم لاستواء
خلقها وحسن صورها ، فهم أصحاب هيئاتٍ ومناظرَ، حسنةٍ ونضرة وضخامة .
( وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ
لِقَوْلِهِمْ ) يقول جلّ ثناؤه : وإن يتكلموا تصغ لكلامهم ، لفصاحتهم وذلاقة
لسانهم ، قال ابن عباس : كان ابن سلول - رأس المنافقين - جسيما ، فصيحا ، ذلق
اللسان .
( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ )
يقول : تشبيه ذو دلالة عجيبة ، فهذا الجمود الراكد البارد يصورهم من ناحية فقه
أرواحهم إن كانت لهم أرواح ! يشبهون الأخشاب المسندة إلى الحائط ، في كونهم صورا
خالية عن العلم والنظر ، فهم أشباح بلا أرواح ، وأجسام بلا أحلام ، قال أبو حيان :
شبهوا بالخشب لعزوب أفهامهم ، وفراغ قلوبهم من الإيمان ، والجملة التشبيهية وصف
لهم بالجبن والخور
قال الزمخشري : قلت : شبهوا في استنادهم وما هم إلا
أجرام خالية عن الإيمان ، والخير بالخشب المسندة إلى الحائط ؛ ولأنّ الخشب إذا
انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكاً فارغاً
غير منتفع به أسند إلى الحائط ، فشبهوا به في عدم الانتفاع .
وفي خلاصة موجزة : فهم أجسام تعجب . لا
أناسي تتجاوب ! وما داموا صامتين فهم أجسام معجبة للعيون . فأما حين ينطقون فهم
خواء من كل معنى ومن كل حس ومن كل خالجة .
ويجوز أن يراد بالخشب المسندة :
الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان ؛ شبهوا بها في حسن صورهم وقلة
جدواهم ؛ والخطاب في ) رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ ( لرسول الله ، أو لكل من يخاطب .
قال حَسَّانَ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ
هَذِهِ الْآيَةِ :
لَا بَأْسَ بِالْقَوْمِ مِنْ طُولٍ وَمِنْ غِلَظٍ ... جِسْمُ
الْبِغَالِ وَأَحْلَامُ الْعَصَافِيرِ
قرأ أبو عمرو والكسائي : خُشُبٌ بسكون الشين ، وقرأ الباقون بضمها ، مُسَنَّدَةٌ ممالة إلى
جدار من قولهم أسندت الشيء إذا أملته ، والتثقيل للتكثير، وأراد أنها ليست بأشجار
تثمر ولكنها خشب مسندة إلى حائط .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق