الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

لماذا عدل القرآن عن استعمال (ضيق) إلى ضائق في قوله : ( وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ )

سعيد بن حيدرة :

( فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ )
هذه الآية من الآيات القرآنية التي يظهر فيها الإعجاز البياني في استعمال الكلمات الدالة على المعنى ، وتجنب المعاني التي يمكن أن تتفرع عنها ، وتكون موطناً للطعن ، ويظهر في استعمال اسم الفاعل والعدول عن الصفة المشبهة كما هو موضع أدناه .
أولاً : معنى الآية :
يقول تعالى - مسليا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، عن تكذيب المكذبين : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ كَنز} أي : لا ينبغي هذا لمثلك ، أن قولهم يؤثر فيك ، ويصدك عما أنت عليه ، فتترك بعض ما يوحى إليك ، ويضيق صدرك لتعنتهم فقد كانوا يقترحون عليه آيات تعنتاً لا استرشاداً ، لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم.
ومن اقتراحاتهم لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ وكانوا لا يعتدون بالقرآن ويتهاونون به وبغيره مما جاء به من البينات ، فكان يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقى إليهم مالا يقبلونه ويضحكون منه .
وهذا أسلوب يقصد به التحريك من همة المخاطب وإلهاب همته لدفع الفتور عنه ، فليس في هذا تجويز ترك النبي صلى الله عليه وسلم تبليغ بعض ما يوحى إليه ، وذلك البعض هو ما فيه دعوتهم إلى الإيمان وإنذارهم بالعذاب وإعلامهم بالبعث كما يدل عليه قوله تعالى في آية أخرى وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها [الأعراف: 203] .
الإعجاز البياني في الآية :
وإنما عدل عن أن يقال (ضيق) هنا إلى ضائق لأمرين
·       لمراعاة النظير مع قوله : (تارك) لأن ذلك أحسن فصاحة.
·       ولأن ضائق لا دلالة فيه على تمكن وصف الضيق من صدره بخلاف ضيق ، إذ هو صفة مشبهة وهي دالة على تمكن الوصف من الموصوف ، إيماء إلى أن أقصى ما يتوهم توقعه في جانبه صلى الله عليه وسلم هو ضيق قليل يعرض له.
والضيق مستعمل مجازا في الغم والأسف ، كما استعمل ضده وهو الانشراح في الفرح والمسرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  وقفة بلاغية : وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) اخت...